الثلاثاء، 8 يناير 2013

القطاع الخاص والتعليم العام:

تحديات تمويل التعليم:
يواجه تمويل التعليم عدة تحديات مثل بنية النظام التعليمي وارتفاع كلفة التعليم وأحادية التمويل في ميزانية التعليم ،والمراد به اعتماد ميزانية التعليم على الدولة كمصدر ممول لها في حين انتفاء مصادر أخرى لتمويل هذه الميزانية.
إن مواجهة الأزمة التمويلية للتعليم العام في جميع الدول بلا استثناء تتطلب العديد من الإجراءات الضرورية في بنية النظام التعليمي كخفض كلفة الوحدة التعليمية وتحقيق الكفاءة والفعالية في استخدام الموارد المالية المتاحة من أجل تحقيق أكبر عائد منها.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال التالي:

تحسين الكفاءة الداخلية:
إن إعادة النظر في بنية النظام التعليمي يمكن أن تحقق بعض الوفر المالي والاستفادة من الموارد المالية المتاحة وتوسيع فرص الانتفاع بالتعليم ومثال ذلك زيادة الوقت المخصص للتعليم في المدارس عن طريق طول الفترة الدراسية على مدار العام وطول الساعات التي يقضيها الطلاب في المدرسة واستخدام أساليب تعليمية حديثة مثل التعليم عن بعد واستخدام التكنولوجيا المتطورة والعمل على تحسين طرق التدريس والرفع من تأهيل المعلمين والتغلب على نسب الرسوب والتسرب وتخفيضها إلى أقل مستوى.

تخفيض كلفة الوحدة التعليمية:
إن مناقشة تخفيض تكلفة الوحدة التعليمة لا يعني تقليل الإنفاق بشكل يؤثر على جودة التعليم وإنما إيجاد نوع من التوازن بين ما ينفق على مراحل التعليم ومستوياته المختلفة وربط الإنفاق بالمعايير التربوية وبتحصيل الطلاب.

البحث عن موارد إضافية:
إن إصلاح النظم التعليمية والإجراءات السابق ذكرها من تحسين للكفاءة الداخلية وتخفيض تكلفة الوحدة التعليمية وضبط التكاليف الرأسمالية للاستفادة من الموارد المتاحة وتحقيق الكفاءة والفعالية لن يفضي إلى التغلب على نقص الموارد المالية لمواجهة الطلب المتزايد على الخدمات التعليمية وعلى مواجهة الضغوط المستمرة على النظم التعليمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة بل لا بد من البحث عن موارد مالية إضافية وهذا الجانب يرى دعاة إصلاح السياسة التعليمية أن أية موارد مالية إضافية للتعليم ينبغي توفيرها من القطاع الخاص لا من القطاع العام إن شكل التمويل المستقبلي للتعليم كما تقترحه اليونسكو ينبغي أن يبنى على المشاركة وعلى اللامركزية مع قيام تمويل مجتمعي يقوم به المجتمع كله بالمشاركة في تمويل التعليم مع عدم تخلي الحكومات عن مسؤولياتها في توفير التعليم للجميع وضمان أن تنفق ما لا يقل عن 6% من إنفاقها الجاري على التعليم .
إن البحث عن موارد إضافية للتعليم يتضمن البحث عن بدائل يمكن من خلالها تعزيز الموارد المالية للمؤسسات التعليمية.

إن العلاقة بين مؤسسات القطاع الخاص والتعليم العام هي علاقات تقليدية تاريخية راسخ حيث تزود مؤسسات القطاع الخاص القطاع التعليمي باحتياجاته المستمرة من خلال توفير المتطلبات و المستلزمات التعليمية إلا أن هذه العلاقة تسير من خلال علاقة استهلاكية من طرف واحد هي المؤسسات التعليمية لكن التطورات الحالية في مؤسسات القطاع الخاص وفي مؤسسات التعليم العام والتحديات التي تواجه المجتمعات اليوم فرضت على القطاع الخاص ومؤسسات التعليم العام أن تتجاوز العلاقة أهدافها التجارية إلى قيام علاقة تعاونية تطوعية ذات اتجاهين بين مؤسسات التعليم العام وقطاع الأعمال ومثل هذه العلاقة تسمح لكلا الجانبين الوصول إلى الأهداف التي يصعب الوصول إليها أو تحقيقها بدون هذا التعاون.
ولهذا فإن تعاون مؤسسات المجتمع وعلى الأخص القطاع الخاص مطلب ضروري لمساندة المؤسسات التعليمية ويقع عليها القيام بدور فعال ومهم ومستمر لتطوير التعليم وتحسين نوعيته.(المالكي,1423)

مصادر تمويل التعليم:

وهي الجهات التي تتحمل كلفة الخدمات التعليمة وهي إما أن تكون مصادر حكومية أو غير حكومية كما أن البعض يقسمها إلى داخلية و خارجية.
ويتميز تمويل التعليم بالتنوع البارز في مصادر تمويله والتي تعمد إليها الدول لتسيير العملية التعليمية وتغطية نفقاتها التربوية.

         أ‌-        المصادر الحكومية:
وهي جملة ما تخصصه الدول في ميزانياتها للتعليم حيث تقوم الحكومات بأغلب الدول بتخصيص مبالغ معينة من الميزانية العامة للدولة للإنفاق على التعليم بجميع فروعه ومستوياته والتي يمكن الاستدلال عليها من خلال بعض المؤشرات الأساسية.
وعلى الرغم من التباين فيما تنفقه الدول على التعليم من بلد إلى آخر إلا أن المؤشرات تفيد بأن الدول المتخلفة تعليميا تنفق على التعليم أكثر من غيرها.
وتعكس الميزانية الحكومية مقدار وحجم الاستثمار في التعليم ومدى ٍاهتمام الدولة بالتعليم والإنفاق علية وتتكون ميزانية التعليم عادة من التكاليف الرأسمالية أو النفقات الثابتة مثل تكاليف الأراضي والمباني والأدوات و الأجهزة والمعدات والجزء الباقي هو التكاليف والنفقات الجارية وهي تشمل مرتبات المعلمين والنفقات التشغيلية المستمرة.




      ب‌-      المصادر غير الحكومية:
وهو ما يتوافر للنظم التعليمية من موارد مالية أو غير مالية مباشرة أو غير مباشرة يتم من خلاله تنفيذ البرامج و الخطط التعليمية وتسييرها وذلك بسبب عجز الميزانيات الحكومية عن تغطية النفقات اللازمة للتعليم ومن هذه الموارد:

1.    الرسوم الدراسية:
وهي ما تحصل عليه المؤسسات التعليمية من رسوم دراسية من الطلاب مقابل الخدمات التعليمية التي يحصلون عليها وغالبا ما تكون الرسوم الدراسية قليلة ولا تمثل نسبة كبيرة من نسبة الإنفاق على التعليم.

2.    المساعدات الدولية:
تواجه العديد من الدول صعوبات في توفير المبالغ المالية اللازمة لتسيير العملية التعليمية ولهذا تلجأ الدولة إلى مصادر خارجية لتمويل التعليم وتقوم المنظمات الدولية بدور واضح في هذا الشأن.
ومن ذلك ما تقدمه الهيئات الدولية كهيئة اليونسكو وهيئة اليونيسيف وهما كهيئتين تابعتين لمنظمة الأمم المتحدة تقدمان مساعدات للتعليم تأخذ غالبا شكل المنح.
وهناك منظمات أخرى كالبنك الدولي كهيئة دولية وبعض الوكالات الأخرى منها وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية تقدم مساعدات للدول النامية يكون للتعليم نصيب منها.
ومن ذلك ما تقدمه المملكة العربية السعودية من إيفاد معلمين للتدريس في بعض الدول العربية والإسلامية وتحمل كامل تكاليف إيفادهم ومرتباتهم الشهرية دعما منها لتلك الدول.


3.    القروض:
تتجه بعض الدول للحصول على قروض من المؤسسات الداخلية كالبنوك أو شركات التمويل أو المؤسسات الخارجية بهدف تسيير العملية التعليمية وتمويل البرامج والأنشطة والخطط التعليمية وغالبا ما يتم سداد تلك القروض على فترات.
وتفضل الدول القروض الداخلية نظرا للخوف من ارتفاع الفوائد السنوية المطلوب سدادها أو أن تأثر هذه القروض على قراراتها وتوجهاتها العامة حيث ترتبط بعض القروض الدولية بشروط معينة.
ويمكن أن تأخذ القروض شكلا آخر وهو ما يقدم للطلاب لتمويل دراساتهم ويتم استردادها على أقساط محددة بشروط ميسرة تسترد بعد التخرج وفق نظم متفق عليها.
هذه الطريقة تؤدي إلى تمكين الطالب من حرية الاختيار خصوصا في التعليم العالي ومن التغلب على الظروف الاقتصادية التي قد تحول دون مواصلته الدراسة.

4.    المدرسة:
يقوم هذا التوجه على أساس أن تجد المدرسة كفايتها المالية لسد بعض النفقات على افتراض أن استخدام المدرسة لإمكاناتها المادية والبشرية وتحويلها إلى مواقع إنتاج حقيقية مع استمرارها في تقديم الخدمات التعليمية يمكن أن يوفر بعض المصادر المالية الضرورية لتسيير العملية التعليمية وبخاصة في دفع التكاليف التشغيلية المتكررة مثل الصيانة وغيرها.
5.    مساهمة المؤسسات المجتمعية:
وهو ما يقدمه المجتمع بجميع مؤسساته الاقتصادية والاجتماعية من مساهمات عينية ومادية ومن جهود في دعم العملية التعليمية.
وتورد اليونسكو أشكالا للمشاركات المجتمعية في تمويل التعليم منها:
1)    التمويل المالي المباشر الناتج عن فرض الضرائب الموجهة للتعليم سواء على الشركات أو المواطنين
2)    التبرعات النقدية أو العينية للمستلزمات التعليمية والمباني والأراضي المستخدمة للأغراض التعليمية
3)    التطوع في تقديم الخدمات الإنشائية أو أعمال الصيانة أو في تقديم الخدمات التعليمية مثل برامج محو الأمية
4)    المشاركة في الإدارة وتطوير المباني المدرسية والوسائل التعليمية.(الطوق,1427)

التعليم والنمو الاقتصادي

بدأ الاهتمام بدراسة العلاقة بين التعليم والنمو الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة بعد أن اتضح عدم إمكانية رد كامل الناتج إلى عوامل الإنتاج المادية من عمل ورأس مال، بحسب النماذج الاقتصادية الرياضية، فعُدَّ التعليم من بين العوامل الأخرى التي تسهم في النمو وأدمجت كلها تحت اسم العامل المتبقي واتجهت معظم الدراسات إلى تحري تأثير التعليم في تحقيق الزيادة في الناتج القومي مستخدمة في ذلك أساليب المعالجة الإحصائية مثل حساب الارتباط بين زيادة الإنفاق على التعليم أو زيادة عدد سنوات الدراسة، أو حصول القوى العاملة على تعليم إضافي أو تحسين المستوى التعليمي للعمال من جهة، وزيادة إنتاجية العاملين المتعلمين من جهة أخرى.
كما استخدمت أساليب التحليل للتوصل إلى حساب دور كل من عوامل الإنتاج، إضافة إلى حساب دور المستوى التقني للآلات وأداء العمال ومهاراتهم ومستوى تعليمهم أو تدريبهم في توليد الدخل وتحقيق النمو. وقد توصلت معظم الدراسات إلى إثبات إسهام التعليم في النمو الاقتصادي إلا أن الشكوك بقيت قائمة حول دقة نتائج هذه الدراسات.
وتبين من الدراسة التي أجراها دنيسون للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات 1909 - 1929 و1929 - 1957 أن نحو 10% من النمو الاقتصادي في المدة بين 1909و1929 يرجع إلى تحسن مستوى التعليم سواء في زيادة عدد سنوات الدراسة أو زيادة أيام الدراسة، وأن نحو 21% من النمو الحاصل في المدة من 1929 إلى 1957 يرجع إلى تأثير التعليم أيضاً.
 كما قام دنيسون أيضاً بدراسة دور التعليم في زيادة النمو في أوربا في السنوات 1950 - 1962، وتوصل إلى إرجاع 5% إلى 15% من النمو إلى تأثير التعليم.
 في حين أرجعت دراسة قام بها شولتز 20% من النمو الاقتصادي الحاصل في المدة من 1929 إلى 1957 في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحسن مستوى التعليم.

العلاقة بين الاقتصاد والتعليم

ما كان ليظهر فرع خاص باقتصاديات التعليم لولا العلاقة المتينة بين الاقتصاد والتعليم، فمن جهة يسهم مستوى التعليم في تحديد مستوى إنتاجية العمل ومن ثم في مستوى النمو الاقتصادي، ومن جهة أخرى يتحدد مستوى الإنفاق على التعليم، ومن ثم مستوى التعليم ذاته، بمستوى التطور الاقتصادي في البلد المعني.
 ومن الملاحظ أن مستوى التعليم في الدول المتقدمة الغنية أعلى من مثيله في الدول النامية والسبب الرئيس في ذلك يرجع إلى المخصصات التي توفرها البلدان المتقدمة للإنفاق على التعليم.
 من ناحية أخرى يوفر النظام التعليمي إعداد القوى العاملة كمياً وكيفياً، فتجد المؤسسات الاقتصادية حاجتها من العاملين في سوق العمل.
 وتعد درجة المواءمة بين مخرجات نظام التعليم وحاجات الاقتصاد الوطني من اليد العاملة أحد معايير مستوى تطور النظام التعليمي، يضاف إلى ذلك التشابه الكبير بين القطاع التربوي والقطاع الاقتصادي فكلاهما يشتمل على عمليات إنتاجية واستهلاكية، فالتعليم في جزء منه عملية إنتاجية يشترك فيها المعلمون والطلبة والإدارة والمناهج والتقنيات ورؤوس الأموال لإنتاج مخرجات من المعارف والمهارات يحصل عليها الخريجون لتوظيفها في الأعمال الاقتصادية والحصول منها على دخل معين، كما أنه في جزء آخر منه عملية استهلاكية تتضمن تلبية حاجة المتعلمين إلى التعلم والمعرفة،وهكذا يجري تحليل العملية التربوية تحليلاً اقتصادياً من حيث المدخلات والمخرجات والعائد المترتب عليها إضافة إلى الحاجة التي تشبعها.

مفهوم تمويل التعليم:

لتعريف هذا المفهوم لا بد من أن نعرِّف أجزءاه وهما التمويل والتعليم.
فبينما يقصد بالتمويل لغوياً:تجميع ورصد مبلغ من المال،ويقصد به من الناحية العملية محاولة تدبير الاحتياجات المالية اللازمة لتنفيذ خطة التعليم خلال فترة زمنية محددة وفي ضوء ما تم تحديده مسبقاً من كلفة، فإن عملية التعليم هي حصيلة ما يكتسبه الفرد من معارف ومعلومات من جهة،ومهارات وقدرات من جهة أخرى، واتجاهات وقيم من جهة ثالثة.
(ويتجه المفهوم الحديث في تمويل التعليم إلى أنه الوظيفة الإدارية التي تختص بعمليات التخطيط للأموال والحصول عليها من مصادر التمويل المناسبة لتوفير الاحتياجات المالية اللازمة لأداء الأنشطة المختلفة بما يساعد على تحقيق أهداف هذه الأنشطة وتحقيق التوازن بين الرغبات المتعارضة للفئات المؤثرة في نجاح واستمرار المنظومة(حامد وآخرون،1428هـ)
ويرتبط تمويل التعليم بتحديد مصادر التمويل المتاحة لمجتمع ما بمختلف أنواعها (حكومية وغير حكومية ) والعمل على تنميتها واستثمارها وتوجيهها على النحو الأمثل الذي يمكن المؤسسة التعليمية من القيام بوظائفها تجاه الفرد والمجتمع على أكمل وجه وبأقل كلفة،ولا يرتبط تمويل التعليم بمجرد الحصول على الموارد اللازمة بل باتخاذ أساليب تخطيطية وإدارية تكفل حسن استخدام هذه الموارد وتعتمد على معايير الأولويات والجودة النوعية(الصائغ،1421هـ).